فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإِسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته. فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرًا منا، فأنزل الله في ذلك {وإذ قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} الآية.
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {ما ألفينا} قال: يعني وجدنا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول نابغة بن ذبيان:
فحسبوه فألفوه كما زعمت ** تسعًا وتسعين لم ينقص ولم يزد

وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله: {ألفينا} قالا: وجدنا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}.
الضمير في {لَهُمْ} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه يعود على {مَنْ} في قوله: {مَن يَتَّخِذُ} [البقرة: 165].
الثاني: قال بعض المفسِّرين: نزلت في مشركي العرب، فعلى هذا: الآية متَّصلة بما قبلها، ويعود الضمير عليهم؛ لأنَّ هذا حالهم.
الثالث: أنه يعود على اليهود؛ لأنَّهم أشدُّ الناس اتِّباعًا لأسلافهم.
روي عن ابن عبَّاس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، فقال رافع بن خارجة، ومالك بن عوفٍ: بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ فهم كانوا خيرًا منَّا، وأَعْلَمُ منَّا فأنزل الله هذه الآية الكريمة.
وقال بعضهم: هذه قصَّةٌ مستأنفةٌ، والهاء والميم في {لَهُمْ} كناية عن غير مذكور.
الرابع: أنه يعود على {النَّاس} في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} قاله الطبريُّ، وهو ظاهرٌ إلاَّ أن ذلك من باب الالفتات من الخطاب إلى الغيبة، وحكمته: أنَّهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجَّب من فعله، حيث دعي إلى شريعة الله تعالى والنُّور والهدى، فأجاب باتِّباع شريعة أبيه.
قوله: {بَلْ نَتَّبعُ} {بَلْ} ههنا: عاطفةٌ هذه الجملة على جملة محذوفةٍ قبلها، تقديره: لا نَتَّبعُ ما أَنْزَلَ اللَّهُ، بل نَتَّبعُ كذا ولا يجوز أن تكون معطوفةً على قوله: {اتَّبعوا} لفساده، وقال أبُو البَقَاءِ: بل هنا للإضراب عن الأوَّل، أي: لاَ نَتَّبعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وليس بخروج من قصَّة إلى قصَّة، يعني بذلك: أنه إضراب إبطال، لا إضراب النتقالٍ؛ وعلى هذا، فيقال: كلُّ إضرابٍ في القرآن الكريم، فالمراد به الانتقال من قصًّةٍ إلى قصَّةٍ إلاَّ في هذه الآية، وإلاَّ في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه بَلْ هُوَ الحق} [السجدة: 3]، كان إضراب انتقالٍ، وإذا اعتبرت {افْتَرَاهُ} وحده، كان إضراب إبطالٍ.
والكسائيُّ يدغم لام هُلْ وبل في ثمانية أحرفٍ:
التاء؛ كقوله: {بَلْ تُؤْثِرُونَ} [الأعلى: 16] والنُّون: {بَلْ نَتَّبعُ} والثَّاء {هَلْ ثُوِّبَ} [المطففين: 36] والسِّين: {بَلْ سَوَّلَتْ} [يوسف: 18]، والزَّاي: {بَلْ زُيِّنَ} [الرعد: 33]، والضَّاد: {بَلْ ضَلُّواْ} [الأحقاف: 28] والظَّاء: {بَلْ ظَنَنتُمْ} [الفتح: 12] والطَّاء: {بَلْ طَبَعَ الله} [النساء: 155]، وأكثر القرَّاء على الإظهار، ووافقه حمزة في التاء والسين، والإظهار هوالأصل.
قوله: {أَلْفَيْنَا} في أَلْفَي هنا قولان:
أحدهما: أنَّها متعدِّية إلى مفعولٍ واحدٍ، لأنها بمعنى وَجَدَ التي بمعنى أَصَابَ؛ بدليل قوله في آية أخرى: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: 21] وقوله: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب} [يوسف: 35] وقولهم: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَاءَهُمْ ضَآلِّينَ} [الصافات: 69]، فعلى هذا: يكون {عَلَيْهِ} متعلِّقًا بقوله: {أَلْفَيْنَا}.
أولهما: {آبَاءَنَا}، والثاني: {عَلَيهِ}، فقُدِّم على الأول.
وقال أبو البقاء رحمه الله: هي محتملةٌ للأمرين أعني كونها متعدِّية لواحد أو لاثنين؛ قال أبو البقاء: ولامُ {أَلْفَيْنَا} واوٌ؛ لأن الأصل فيما جُهل من اللاَّمات أن تكون واوًا، يعني: فإنه أوسع وأكثر؛ فالرَّدُّ إليه أولى.
ومعنى الآية: أنَّ الله- تبارك وتعالى- أمرهم بأن يتَّبعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من الحرث، والأنعام، اولبحيرة، والسَّائبة.
أو ما أنزل الله من الدَّلائل الباهرة، قالوا: لا نتَّبع ذلك، وإنما نتبع آباءنا، وأسلافنا، فعارضوه بالتَّقليد، فأجابهم الله تعالى بقوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ}، فالهمزة في {أَوَلَوْ} للإنكار، وأما الواو، ففيها قولان:
أحدهما: قاله الزمخشريُّ: أنَّها واو الحال.
والثاني: قال به أبو البقاء، وابن عطيَّة: أنَّاه للعطف، وقد تقدَّم الخلاف في هذه الهمزة الواقعة قبل الواو والفاء وثمَّ، هل بعدها جملة مقدَّرةٌ، وهو رأي الزمخشري؛ ولذلك قدَّر ههنا: أَيَتَّبِعُونَهُمْ، وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ، وَلاَ يَهْتَدُونَ لِلصَّوَابِ؟ أو النية بها التأخير عن حرف العطف؟
وقد جمع أبو حيَّان بين قول الزمخشريِّ، وقول ابْنِ عَطيَّة، فقال: والجمع بينهما: أنَّ هذه الجملة المصحوبة بلَوْ في مثل هذا السِّياق جملةٌ شرطيةٌ، فإذا قال: اضْرِبْ زَيْدًا، وَلَوْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ، فالمعنى: وَإِنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ وكذلك: «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَس» رُدُّوا السَّائِلَ، وَلَوْ بِشِقَّ تَمْرَةٍ، المعنى فيهما وإِنْ وتجيء لَوْ هنا؛ تنبيهًا على أنَّ ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها، لكنَّها جازت لاستقصاء الأَحوال التي يقع فيها الفعل، ولتدلَّ على أن المراد بذلك وجود الفعلفي كلِّ حالٍ؛ حتَّى في هذه الحال الَّتي لا تناسب الفعل؛ ولذلك لا يجوز: اضْرِبْ زَيْدًا، وَلَوْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، ولا أَعْطُوا السَّائِلَ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا فإذا تقرَّر هذا، فالواو في وَلَوْ في الأمثلة التي ذكرناها عاطفةٌ على حالٍ مقدَّرة، والمعطوف على الحال حالٌ؛ فصحَّ أن يقال: إنَّها للحال من حيث عطفها جملةً حاليَّةً على حالٍ مقدَّرةٍ، وَصَحَّ أن يقال: إنَّها للعطف من حيث ذلك العطف، فالمعنى والله أعلم: أنها إنكارُ اتِّبَاعِ آبائهم في كلِّ حالٍ؛ حتى في الحالة الَّتي لا تناسب أن يتبعوهم فيها، وهي تلبُّسهم بعدم العقل والهداية؛ ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على لَوْ إذا كانت تنبيهًا على أنَّ ما بعدها لم يكن مناسبًا ما قبلها، وإن كانت الجملة الحاليَّةُ فيها ضميرٌ عائدٌ على ذي الحال؛ لأنَّ مجيئها عاريةً من هذه الواو مؤذنٌ بتقييد الجملة السَّابقة بهذه الحال، فهو ينافي استغراق الأحوال؛ حتى هذه الحال، فهما معنيان مختلفان؛ ولذلك ظهر الفرق بين: أَكْرِمْ زَيْدًا، لَوْ جَفَاكَ، وبين: أَكْرِمْ زَيْدًا، وَلَوْ جَفَاكَ. انتهى.
وهو كلامٌ حسنٌ.
وجواب لو محذوفٌ، تقديره: لاَتَبَعُوهُمْ وقدره أبو البَقَاءِ: أفكَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ؟ وهي تفسير معنًى لأن لَوْلا تجاب بهمزة الاستفهام، قال بعضهم: ويقال لهذه الواو أيضًا واو التَّعَجُّب دخلت عليها ألأف الاستفهام للتوبيخ.
وقوله: {شيئًا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه مفعول به؛ فيعمُّ جميع المعقولات؛ لأنَّها نكرةٌ في سياق النفي، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة، فيكون المعنى: لا يعقلون شيئًا بَلْ أَشْيَاءً من العَقْلِ وقدَّم نفي العقل على نفي الهداية؛ لأنَّه يصدرعنه جميع التصرُّفات.
الثاني: أن ينتصب على المصدريَّة، أي: {لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا}. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: الصفا للسر، والمروة للروح، والسالك بينهما يسعى. ففي صفا السر يقطع التعلقات عن الكونين وهو التعظيم لأمر الله، وفي مروة الروح يوصل الخير إلى أهله وعياله ونفسه لمراقبة أحوال الباطن ومزاولة أعمال الظاهر وهو الشفقة على خلق الله، ومعنى سبع مرات أن تصل بركات سعيه إلى سبعة آرابه في الظاهر وإلى سبعة أطواره في الباطن وإلى سبعة أقاليم العالم لقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى} [النجم: 39، 40]. ومن كمال رأفته بأهل محبته أن جعل آثار أقدامهم أشرف الأمكنة، وساعات أيامهم أعز الأزمنة. فإلى تلك المعاهد والأطلال تشد الرحال، وتلك المشاهد والآثار تعظم وتزار.
أهوى هواها لمن قد كان ساكنها ** وليس في الدار لي هم ولا وطر

حسبي الله ونعم الوكيل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (171):

قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم عند الدعاء إلى اتباع ما أنزل الله تركوا النظر والتدبر، وأخلدوا إلى التقليد، وقالو: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءنَا} [البقرة: 170] ضرب لهم هذا المثل تنبيهًا للسامعين لهم إنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ترك الإصغاء، وقلة الإهتمام بالدين، فصيرهم من هذا الوجه بمنزل الأنعام، ومثل هذا المثل يزيد السامع معرفة بأحوال الكفار، ويحقر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك، فيكون كسرًا لقلبه، وتضييقًا لصدره، حيث صيره كالبهيمة فيكون في ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه في التقليد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

لما ذكر تلقيَهم الدعوة إلى اتباع الدين بالإعراض إلى أن بلغ قوله: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا} [البقرة: 170]، وذكر فساد عقيدتهم إلى أن بلغ قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا} [البقرة: 165] الآية، فالمراد بالذين كفروا المضروب لهم المثل هنا هو عين المراد من {الناس} في قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا} وعين المراد من {الذين ظلموا} في قوله: {ولو يرى الذين ظلموا} [البقرة: 165]، وعين الناس في قوله: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالًا طيبًا} [البقرة: 168]، وعين المراد من ضمير الغائب في قوله: {وإذا قيل لهم} [البقرة: 170]، عُقّب ذلك كله بتمثيللِ فظيع حالهم إبلاغًا في البيان واستحضارًا لهم بالمثال، وفائدة التمثيل تقدمت عند قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} [البقرة: 17]. وإنما عطفه بالواو هنا ولم يفصله كما فصل قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} لأنه أريد هنا جعل هذه صفة مستقلة لهم في تلقي دعوة الإسلام ولو لم يعطفه لما صح ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

شبّه تعالى واعظ الكفار وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي يَنْعِق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول: هكذا فسّره ابن عباس ومجاهد وعِكرمة والسّدي والزجاج والفَرّاء وسيبويه؛ وهذه نهاية الإيجاز. قال سيبويه: لم يُشبَّهوا بالناعق إنما شُبّهوا بالمنعوق به. والمعنى: ومثَلك يا محمد ومَثَل الذين كفروا كَمَثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم؛ فحذف لدلالة المعنى. وقال ابن زيد: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جَوْف الليل فيجيبه الصَّدَى؛ فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه ولا منتفع. وقال قُطْرب: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم، يعني الأصنام، كمثل الراعي إذا نَعَقَ بغنمه وهو لا يدري أين هي. قال الطبري: المراد مثل الكافرين في دعائهم آلهتهم كمثل الذي ينعق بشيء بعيد فهو لا يسمع من أجل البعد؛ فليس للناعق من ذلك إلا النّداء الذي يُتعبه ويُنْصِبه. ففي هذه التأويلات الثلاثة يشبّه الكفار بالناعق الصائح، والأصنام بالمنعوق به. والنّعيق: زجر الغنم والصياح بها؛ يقال: نَعَق الراعي بغنمه يَنْعِق نَعِيقًا ونُعاقًا ونَعَقانًا؛ أي صاح بها وزجرها. قال الأخطل:
انْعِق بضأنك يا جريرُ فإنما ** مَنّتك نفسك في الخلاء ضلالاَ

قال القُتَبِيّ: لم يكن جرير راعي ضأن، وإنما أراد أن بني كُليب يُعَيَّرون برعي الضأن، وجرير منهم؛ فهو في جهلهم. والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون: أجهل من راعي ضأن.
قال القتبِيّ: ومن ذهب إلى هذا في معنى الآية كان مذهبًا، غير أنه لم يذهب إليه أحد من العلماء فيما نعلم.
والنداء للبعيد، والدعاء للقريب؛ ولذلك قيل للأذان بالصلاة نداء لأنه للأباعد. اهـ.

.قال الفخر:

للعلماء من أهل التأويل في هذه الآية طريقان:
أحدهما: تصحيح المعنى بالإضمار في الآية.
والثاني: إجراء الآية على ظاهرها من غير إضمار، أما الذين أضمروا فذكروا وجوها:
الأول: وهو قول الأخفش والزجاج وابن قتيبة، كأنه قال: ومثل من يدعو الذين كفروا إلى الحق كمثل الذي ينعق، فصار الناعق الذي هو الراعي بمنزل الداعي إلى الحق، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام وسائر الدعاة إلى الحق وصار الكفار بمنزلة الغنم المنعوق بها ووجه التشبيه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تفهم المراد، وهؤلاء الكفار كانوا يسمعون صوت الرسول وألفاظه، وما كانوا ينتفعون بها وبمعانيها لا جرم حصل وجه التشبيه الثاني: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم من الأوثان كمثل الناعق في دعائه ما لا يسمع كالغنم، وما يجرى مجراه من الكلام والبهائم لا تفهم: فشبه الأصنام في أنها لا تفهم بهذه البهائم، فإذا كان لا شك أن هاهنا المحذوف هو المدعو، وفي القول الذي قبله المحذوف هو الداعي، وفيه سؤال، وهو أن قوله: {إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء} لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع شيئًا الثالث: قال ابن زيد: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل، فإنه لا يسمع إلا صدى صوته فإذا قال: يا زيد يسمع من الصدى: يا زيد.
فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعو هذه الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء.
الطريق الثاني: في الآية وهو إجراؤها على ظاهرها من غير إضمار وفيه وجهان أحدهما: أن يقول: مثل الذين كفروا في قلة عقلهم في عبادتهم لهذه الأوثان، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم فكما أنه يقضي على ذلك الراعي بقلة العقل، فكذا هاهنا الثاني: مثل الذين كفروا في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم فكما أن الكلام مع البهائم عبث عديم الفائد، فكذا التقليد عبث عديم الفائدة. اهـ.